الخميس، 10 نوفمبر 2011

الحِنّاء

بقلم: عبدالعزيز بن حارب المهيري

عندما أعجب بالحنا في يد زوجته ليلة الزفاف لم يكن يعلم بأن الحنا سيكون سبب تعاسته في السنوات القادمة، لا يزال يتذكر البداية.. كان ذلك يوم الخميس الخامسة مساء بعد شهر العسل بأسبوع، فزوجته تريد أن تتجمّل له، طلبت منه أن يحضر لها (مِعْصار) حنا، وقتها كان عريسا غضّا طريّا لا يفقه في عالم النساء إلا القليل، ذهب إلى الصالون الذي وصفته له، ولأنه رجل على نيّاته.. وبدل من أن يطرق باب الصالون.. فتح الباب مباشرة ودخل، ألقى التحية بصوت مرتفع، في أقل من ثانية سمع صرخات نسائية حادة تأتيه من كل صوب، ورأى أشياء تتطاير في الهواء باتجاهه، العبارة الوحيدة التي سمعها من بين الصرخات هي: ألو شرطة، آثر الانسحاب ,كان رجل الشرطة في انتظارة في الخارج، استغرب من سرعة مجيئهم (يعني يوم عملتْ حادث بالسيارة حضرتوا عقب ساعة ونص.. شمعنى  اليوم يعني؟!!) لم يكن التخلص من قبضة الشرطة بالأمر السهل، في الأخير تركوه عندما علموا أنه سنة أولى زواج، ظلت تلك الحادثة المؤلمة عالقة في ذهنه لسنوات، وخلّفت لديه نوعا جديدا من الفوبيا، اصطلح عليه في المحافل الطبية فيما بعد بــــ (HENNA PHOBIA)

في العيد الأخير اختفى عنّا، وعندما التقيته بالأمس أخبرني عن سبب غيابه، يقول في ليلة العيد عندما كان يتأهب للنوم كانت زوجته تضع اللمسات الأخيرة على الحناء في رجليها ، وقد قررت أن تنام به، استيقظ قبلها مع أذان الفجر ليتأهب للصلاة، عندما دخل الحمام شاهد مصيبة..  خرج مسرعا وأيقظها وهو يصرخ، نهضت المسكينة من نومها مذعورة، تتساءل عما حدث، فأجابها بنبرة المصدوم: (صبغتِ ويهي بالحنا وانت راقدة!!) يبدو أن زوجته من النوع الذي يتحرك كثيرا في النوم، لم يقل ذلك صراحة لكني اكتشفت ذلك بنفسي، وإلا فكيف وصلت رجلاها إلى وجهه!! ماذا يصنع وصلاة العيد بعد قليل؟ وهل سيقابل الناس وفي وجهه سبعة عشر لطعة (بقعة)؟ لو كانت اللطع متناسقة أو متشابه أو على هيئة فيونكه مثلا لهان الأمر، لكنها سبعة عشر لطعة، وكل لطعة تخاصم أختها في الشكل والحجم، وكان واضحا من البقع التي على خدّه الأيسر أنها آثار أقدام بشرية!! اسودّت الدنيا في وجهه، هو يعرف تماما بما أن في السالفة حنا فلن تُعدِّ على خير، حاولت زوجته أن تزيل البقع بشتى الطرق لكنها لم تفلح، لم يتبق إلا أن تستخدم السائل الكيماوي الذي يستخدم لجلي الرخام والجرانيت، إلا أن فكرة جهنمية طرأت على عقل الزوجة.. قالت له: بدلا من أن نرهق أنفسنا في إزالة البقع، لم لا نفكّر في إخفائها؟ امممم الفكرة مشجعة.. سألها بماذا نخفيها؟ نظرت إلى عينية ونظر إليها، ينتظرها أن تتكلم، كان لديها الحل لكنها لم تجرؤ على قوله، أدرك ماذا تريد أن تقول، فصرخ في وجهها: (نعم ..نعم ؟!! أنا فلان بن فلان آخر عمري أحط ميكب على ويهي؟!) قالت له هذا هو الحل الوحيد، والقرار عندك، صرخ في وجهها مرة ثانية، وكان صراخه هذه المرة أقوى: (يكون في علمج ما دمتْ على قيد الحياة ما بَحط على وجهي ميكب قبل ما أحط كريم أساس!!)

المشكلة أنه دعا قرابة الأربعين شخصا من أهله لوليمة غداء عنده في البيت، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتذر إليهم، على مضض قبل فكرة الميكب، إذ يبدو أن لا حلَّ غيره، وقف أمام زوجته وبدأت تباشر عملها في وضع مستحضرات التجميل، كان أشد ما يخشاه أن يعلمَ أبناء عمه بما فعله في وجهه، لأنه سمع أحدهم مرة يقول: (عيب الرياييل يحطون كريم مرطب على وجوههم) يا ترى ماذا سيفعلون به لو علموا بأنه وضع لانكوم فاونديشن!! عندما انتهت من وضع الميكب طلبت منه أن ينظر لنفسه، كان مكتئبا لكن عندما شاهد نفسه في المرآة شعر بسعادة غامرة، فقد اختفت البقع تماما، الأكثر من ذلك أن لا أثر للحبوب أو التجاعيد، تحسّس خده بأطراف أصابعه، فإذا بشرته صافية نقية، سأل نفسه هل هذه البشرة التي يتحدثون عنها في الإعلانات؟ ثم طلب من زوجته طلبا غريبا بعض الشيء (ليش ما تحطين لي بعد شويه بِلشَر؟ عشان تستوي خدودي أحمريكا وحلوة !!)

جاءه الضيوف على غداء العيد، كان مرتبكا وخائفا من أن ينكشف أمره، لكن الحمد لله لم يلاحظ أحد، عندما اطمأن أخذ يتحدث إليهم بكل ثقة، وكان يتقصّدُ أن يريهم صفاء بشرته ونعومتها (عيبته السالفة!!) خرجوا لصلاة الظهر ثم رجعوا، استغرب من صمتهم المفاجئ!! تساءل في نفسه ما الحكاية؟ هل أسأت إليهم دون قصد فغضبوا مني؟ ولماذا ينظرون إليَّ هكذا كأنهم يرونني لأول مرة؟ نَسيَ صاحبنا أن الصلاة تريد وضوءا، وأن الوضوء يريد ماءً، وأن الماء يزيل الميكب!! اكتشف المصيبة التي هو فيها، تمنى لو تنشق الأرض وتبلعه، كي لا يرى نظرات ضيوفه إليه، ثم فجأة بدأت البقع تتلاشى بشكل سريع وغريب، في ظاهرة تحصل لأول مرة، وإن شئتم الدقة لم تكن البقع التي اختفت، بل إن حمرة الإحراج الشديدة جعلت لون بشرته يقترب من لون بقع الحناء البنّية.

أحد الضيوف الشريرين أراد أن يخفف عنه البلاء الذي هو فيه، اقترب منه وهمس في أذنه: (إذا كان هذا الحنا من صالون رشناه فالله يعينك.. لأنه ما بيختفي قبل أسبوعين.. اسألني أنا !!)










هناك 9 تعليقات:

  1. حلوة والله قصة مثيرة وممتعة واكيد الحنة تعمل عمايل هيك واكثر بس اكيد بعد جمالها في يد المراة اروع

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    كان في تعليق لاحد النقاد عن مسلسل الحاج متولي يقول فيها "ان المسلسل يستحدث نوعاًً جديدا من الادب وهو الخيال الاجتماعي" على غرار الخيال العلمي في الأفلام الامريكية
    أنا اعتقد ان مقالاتك تندرج في هذه القائمة "أدب الخيال الاجتماعي"
    كل التوفيق

    ناصر عبد الله

    ردحذف
  3. هههههههههه بصراحه المقال رائع واحلى شيء يوم تقرأ المقال للوالده تضيف نكهات عجيبة على الابداع وتجعلك الضحكات تتضاعف . جزاك الله خير يا مبدعنا ادخل السرور ليس لنا بل كذلك لامهاتنا :))
    من تعليقات الوالده :
    - هذا صالون رشناه معروف بحناه ، يخلي الحنا اسود مب بس بني.
    - الحرمه هذه خديه ليش كيف تتحنى وتنام ليش ما تخاف يخيس فراش السرير :) ملاحظة ذكيه
    مع تمنياتي لك بالتوفيق وفي انتظار الحلقة القادمه

    ردحذف
  4. قصة جميلة وأسلوب راائع ..
    لكني أتساءل ما الهدف منها ؟ لم أفهم المغزى وراء القصة .. ياريت توضح لنا :)
    إلى الأمام ..

    ردحذف
  5. استاذ عبد العزيز اسلوبك الراقي والمميز والمشووووق يذكرني بالكاتب الروسي انطوان تشيخوف ملك القصة القصيرة
    شي جميل جداً وشفت رابط مدونتك عن طريق الصدفة في الفيس بوك وان شاء الله بقرا كل قصصك ومقالاتك الرائعة
    وبخصوص الشخص الي حاب يعرف الهدف منها
    حاب ارد عليه انه هاي هي كوميديا تسمى بكوميديا الموقف وهي بوجهة نظري ارقى واجمل كوميديا
    تحياتي لكم ( كاتب مسرحي صغير )

    ردحذف
  6. ههههههه ،

    بصراااحة مقلب ولاا أروع .,
    و بعد زين اكتشفنا سلاح جديد من اسلحة المرأة الفتاكة ..
    ...
    اسلوب جدا مشوق في الطرح

    .. سلمت يمينك كاتبنا

    ردحذف
  7. رأااائع. بل مشوق
    لكن عجيبة رقدة هذي الزوجة تقول دبل كيك

    ردحذف
  8. ههههه أبدعت... بس احيانا أحس ان القصص هاذي تستوي معاك انت شخصياً هههه لدقة الوصف والتعبير تقول انت احد اطرافها.....

    بالتوفيج..

    ردحذف
  9. هههههههههههههههه اسلوبك فكاهي لطيف ليش ما تكتب في الجرايد و ترحمنا من بعض كتاب الاعمدة قليلي العلم ثقيلي الدم

    ردحذف